قصة مجوهرات أسرة محمد على بين الحقيقة والتضليل
قصة مجوهرات أسرة محمد على بين الحقيقة والتضليل
قصة مجوهرات أسرة محمد على بين الحقيقة والتضليل
هل نهبها عبدالناصر ورجاله كما قيل في الحملة التي أمر بها السادات ؟
الصورة .. للملكه نازلي ملكه مصر وزوجه الملك فؤاد وام الملك فاروق أخر ملوك مصر وحفيدة أبنتها الأميرة فائقة وهما يرتديان نفس العقد الذي صنف من قبل خبراء المجوهرات علي انه واحد من أقيم قطع المجوهرات في التاريخ ، وكان قد صنع خصيصا للملكة نازلى وقد أرتدته في عام 1938 بمناسبه زواج ابنتها من شاه ايران ، هذا العقد تم بيعه أول مرة عام 1975 في مزاد علني في امريكا لتسديد ديون الملكه نازلي التي ورطها فيها زوج أبنتها فتحية وبعدها أختفي العقد إلى أن ظهر في عام 2015 ، في مزاد علني بأمريكا واشترته الدار اللي صممته ( فان كليف ) بأربعة مليون دلار لكى تضمه للمتحف الخاص بالمجوهرات اللي صممتها للملوك والأمراء ، و هو معروض حاليا في متحف تلك الدار لتصميم المجوهرات في دبي .. هذا العقد تم الأدعاء بأنه تم سرقته من قبل نظام عبدالناصر ووصل الأمر الى تزوير صورة لمنى عبدالناصر ألبسوها فيها هذا العقد .
.
في عصر التحول قاد نظام السادات حملة ممنهجة أستهدفت إغتيال سيرة الزعيم جمال عبدالناصر في الذاكرة الوطنية المصرية والعربية ، و كان أكثرها خسة الطعن في الذمة المالية له وهو الذي عرف بالإستقامة ونظافة اليد مما جعله نموذجا نادرا ما يجود الزمان بمثله ، فالرجل الذي مات فقيرا لا يمتلك من حطام الدنيا شيئا تاركا عليه ديون أقترضها من أجل زواج بناته يتهم !! .. وهو الذي إذا أراد المال أمكنه هذا بسهولة فلا رقيب عليه إلا ضميره فقد كانت تحت تصرفه وبين يديه ميزانية بالملايين خاصة بالمصروفات السرية لرئاسة الجمهورية ، فقد أتهم من قبل الأفاق جلال الدين الحمامصي بأنه أستولى على أموال الدولة ( 15 مليون جنية ) وثبت كذبه من خلال لجنة التحقيق ، كما أتهم هو و رجاله بالإستيلاء على مجوهرات وتحف أسرة محمد على التي تم مصادرتها عقب ثورة 23 يوليو 1952 .. وهذا ما سوف نوضحه في هذا المقال .
.
ونشير هنا في البداية إلى شهادة هامة لأحد أبرز الذين شاركوا في اللجان التي شكلت لمصادرة ممتلكات أسرة محمد علي وهو ( البكباشى محمود محمد الجوهرى ) الذي يعد الوحيد من بين الذين شاركوا في هذا الأمر قالم بالكتابة و التأريخ لما حدث، حيث سجل ماعايشه عن كثب فى لجان جرد القصور الملكية خلال 4 سنوات فى الفترة من 1952 – 1956، وذلك فى أربعة إصدارات آخرها كتابه ( سبع سنوات فى مجلس قيادة الثورة ) الذى أصدره عام 1978، ردا على الحملة الممنهجة التي تتهم عبدالناصر ورجاله في لجان المصادرة ،
.
ففى كتابه هذا يقول الجوهرى : إن عملية جرد مقتنيات القصور الملكية ومصادرة أموال أسرة محمد على هى الأولى من نوعها فى تاريخ مصر وكانت نتيجة طبيعية لقيام ثورة 23 يوليو وبدأت العملية بناء على قرار وزارى اصدره وزير المالية والاقتصاد د. عبد الجليل العمرى فى 30 / 7 / 1952 بتشكيل لجان تشكيلاً دقيقاً وفنيا بها عدد من الخبراء والفنيين من كافة الوزارات كل فى مجاله. وقرر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أن يكون عمل اللجان تحت إشراف المكتب الفنى بمجلس قيادة الثورة .
.
ويقول الجوهرى من يتسأل أين مجوهرات الأسرة المالكة من محمد على إلى فاروق؟ .. نرد عليه : بأنه قد شكلت عدة لجان من خبراء مثمنين من الداخل والخارج وتم تثمينها وأودعت فى الغرف المصفحة فى البنك المركزى وهناك مستندات وسجلات وصور بالوصف الدقيق عن كل قطعة وتم الاحتفاظ بالمجوهرات التى بها قيمة تاريخية وفنية لايمكن تقديرها بالمال والتى يوجد منها قطع مكررة فقد قررت اللجنة العليا للمصادرة أن تباع فى مزاد عالمى تمت له ترتيبات خاصة مع البيوت العالمية فى الخارج..
.
أما عن الحملة .. فإن السادات هو الذي أعطى الضوء الأخضر لبدء تلك الحملة التي أنطلقت من مجلة أكتوبر عام 1976 وأستغرقت نحو ستة أشهر بالنشر المستمر ، إتهامات بلا دليل .. فلم يتم التحقيق في بلاغ قدم ولم يوجه إتهام إلى أحد بعينه ، لا يوجد دليل إلا الإدعاء بمشاهدة تحفا عند هذا أو ذاك ، أو أن زوجة أو أبنة مسئول كانت تتزين ببعض مجوهرات أميرات الأسرة المالكة التي تم مصادرتها ، أو مشاهدة بعض تلك المجوهرات تباع في مزادات أوربا الشهيرة ،و يذكر الكاتب الصحفي ( محمد ناصر في كتابه : الرئيس الذي لم يسرق .. الصادر عن دار المعارف ضمن سلسلة أقرأ .. عدد رقم 763 عام 2012 ) : لم يكن هناك شيئا مسروقا تم ضبطه من مجوهرات وتحف الأسرة الملكية.. ثم أين هو السارق ؟ يلمحون إلا أنه كان ظلا لناصر ...
.
مجرد أقوال لم تدفع بفلان ولا علان للتحقيق معه في أى وقت ، و لا يمكن القول بأن الجهات الرسمية في مصر كانت تتجاهل هذه الأخبار ، فعلى العكس تماما خاصة في ظل مناخ متربص لم يكن أبدا سوف يفوت الفرصة إذا أمتلك دليلا على إتهام .. فالهدف من وراء ذلك كان واضحا أن يصدم الناس في زعيمهم ولما تتسع دائرة الصدمة يكون الهدف أن يصدم الناس في ثورتهم وبالتالي شعورهم بالحاجة إلى التغيير ، من ثم يمكن تصوير الماضي باقة وردة تحكي عن سنين كنا فيها تحت الأستعمار سعداء وجاءت نمردة العسكر ضيعتها ، أو يمكن أن يرى الناس الماضي مشنوقا وعلى أبوابه حلمهم بالزعيم وأقصر الطرق أن يشنقوا الزعيم الذي عاش في الوجدان مع ما تبقى من ثورته .
.
تلك الحملة مازالت أصداؤها تتردد إلى الآن وهى مادة خصبة للذين تم تغييب وعيهم من الساداتية والاخوان والشماشرجية ، فكان هذا المحرض لي على الكتابة لتوضيح حقيقة ما حدث خاصة ونحن مقبلين على الأحتفال بذكرى ثورة يوليو حيث ينشط هؤلاء ، فقد تم تصوير الأمر على أنه كان هناك كنزا من مجوهرات وتحف أسرة محمد على قد تم نهبه من قبل من قبل لجان الجرد والمصادرة وكأنها شكلت من اجل هذا ، خاصة وأن تلك اللجان كان يتولها عسكريين من تنظيم الضباط الأحرار تحت أشراف جمال عبدالناصر مع أن حقيقة الأمر غير ذلك .
.
الحملة تولاها الصحفي المتوفى (جميل عارف) إذ قالت حلقاتها أن هذه المجوهرات والتحف سرقوها ( عبدالناصر ورجاله ) وبدأت بتحريض من السادات، الكاتب محمد ناصر في كتابه السابق ذكره قال : ( أن السادات أرسل مع أنيس منصور رئيس- تحرير مجلة اكتوبر وقتها- قلم حبر هدية منه لجميل عارف على حملته الصحفية المذكورة وقد سلم أنيس منصور القلم لعارف وهما يتمشيان على كورنيش النيل أمام المجلة ونقل له اعجاب السادات بما ينشر .. ثم كان هذا القلم وهذا الاعجاب هما السبب في اطاحة أنيس منصور بجميل عارف إلى خارج مجلة اكتوبر فيما بعد ) .. ومن الواضح أن أنيس منصور خشى من أقتراب عارف من السادات على حسابه فأسرع بالإطاحة به خارج المجلة ، خاصة وهو يعلم أن السادات يهتم بتقريب أمثال هؤلاء من الذين لا تعنيهم الحقيقة ولا تلزمهم الأمانة فيما يكتبون ، فهكذا أحتل أنيس منصور مكانته لدى السادات ، فأستغل منصور طلب السادات بوقف الحملة فأطاح بعارف بعد أن أدى الدور المطلوب منه .
.
هذا الرجل – جميل عارف – جمع ما كتبه ونشره في كتاب بعنوان ( من سرق مجوهرات اسرة محمد على .. صادر عن دار المكتب المصرى الحديث عام 2006 ) وهى الدار المتخصصة في نشر الكتب وضعت خصيصا لمهاجمة عبدالناصر وعصره فمعظم تلك النفايات صدرت من تلك الدار ،
.
يشير عارف فى كتابه إلى سلسلة التحقيقات الصحفية التى نشرها فى مجلة أكتوبر عام 1976 بضوء أخضر من السادات شخصيا حول مصير مجوهرات أسرة محمد على والتي استمر نشرها على مدار 23 أسبوعا متتالية، وكان كل تحقيق ينشر على أربعة صفحات كاملة في أطول تحقيق صحفي في تاريخ الصحافة المصرية كما يقول صاحبه ، وقد جاءت مقدمة كتابه بعنوان : ( بلاغ إلى النائب العام ) .. ولكن فلا محامي تقدم ولا كانت هناك تهمة تم التحقيق فيها ، فما أورده ليس به دليل مجرد غمز ولمز ،
الأمر الذي يجعلنا نتسأل لماذا لم يتقدم عارف هذا بنفسه ببلاغ إلى النائب العام مستندا على الشهود الذين نقل عنهم في تحقيقاته ؟ وفي مقدمتهم ( صلاح الشاهد ) كبير أمناء رئاسة الجمهورية في عهدي ناصر والسادات ، فهو لم يفعل لأنه يعلم أن السادات سوف يمنعه لأنه اذا تم تحقيقا شفافا فأن الأتهام سوف يطوله هو و ليس عبدالناصر ، فالسادات هو الذي أعطاه الأذن ببدء الحملة وهو الذي أمر بوقفها عندما أقتربت منه ، والأغرب في أمر هذا الرجل إنه لم ينشر كتابه هذا إلا في عام 2006 بعد وفاة كل الشهود الذين أستند عليهم !!
.
ويذكر عارف في مقدمة كتابه أن السادات هو الذي أعطاني الضوء الأخضر لنشر تلك التحقيقات وهو الذي وافق على فتح هذا الملف وأن أنشره في مجلة أكتوبر إلا أنه أشترط علي ( بألا تقترب التحقيقات من طرف بنطلونه ) ، وعندما خالفت ذلك دون قصد مني أمر السادات بوقف نشر تلك التحقيقات ، بعد أن قمت بنشر تحقيقا حول مصير لوحات فنية فقدت من متحف ( قصر محمد محمود خليل ) ولم أكن أعلم أن السادات كانت تراوده فى تلك الأيام فكرة شراء القصر ، ( الذي أراد شاه إيران شرائه بخمسة مليون جنية لتحويله إلى دار للسفارة الأيرانية في القاهرة ولكن رفض طلبه ) ، ويضيف كان تصور السادات أنني بإشارتي إلى هذا القصر قد أقتربت كما قال لي أحدهم ( يقصد أنيس منصور ) من طية رجل بنطلونه ، أو بمعنى آخر خالفت التعليمات وتوقف النشر عند الحلقة 23 بعد الضجة التي أحدثها في الرأى العام.
ويبدو أن عارف كان لا يعلم أيضا أن السادات بعد إنقلاب مايو 1971م ضم بالفعل هذا المتحف إلى قصره المطل على نيل الجيزة و المجاور له ، حيث اتخذ السادات كما يقول الدكتور أشرف رضا، رئيس قطاع الفنون التشكيلية السابق من هذا المتحف مكتبا خاصا يجلس فيه ومعه سكرتيره الخاص فوزى عبد الحافظ،يستقبل فيه زواره ، حيث قضى فيه أغلب وقته واجتماعاته بمساعديه ونوابه سواء قبل حرب أكتوبر 1973 أو بعدها ، وقد ظل هكذا إلى أن عاد إلى الدولة مرة أخرى بعد وفاته .
و في المقدمة التي كتبها جميل عارف لكتابه يدين السادات دون أن يدرى و يلمح دون قصد إلى أن السادات كان مشاركا في عملية السطو التي يقول بها .. بتستره على اللصوص الذين قاموا بذلك .. فيقول : ( أن السادات نقل له إنه يعرف الكثير من اللصوص والحرامية الذين شاركوا فى عمليات سلب ونهب هذه المجوهرات ، وإنه بعد توليه منصب الرئاسة قرر إبعاد بعض الضباط من الوظائف العامة ومن مناصب السلك الدبلوماسى فى وزارة الخارجية وغيرها ، مكتفيا بهذا متصورا أن فتح هذا الملف يمكن أن يلوث سمعة بعض هؤلاء الضباط الذين قويت شوكتهم وأصبحوا من مراكز القوى وأصحاب النفوذ ) .. هكذا كان يدعي السادات .. فواقع هذا الرجل يكذب ما جاء على لسانه فهو إن كان قد أبعد العديد من مناصبهم لأنه كان يشكك في ولائهم له ، خاصة وإنه أبقى على من يثق في ولائه فقط بغض النظر إذا كان فاسدا أم لا ، فنظامه كان عنوانا لهذا .
.
ويتهم عارف السادات عندما يتسأل لماذا لم ينفذ القرار الجمهوري الذي أصدره في عام 1973 بالإستيلاء على قصر عائشة فهمي المطل على نيل الزمالك لتحويله إلى متحف يضم تلك المجوهرات والتحف ؟،فعلى الرغم من الإستيلاء على القصر ولكنه تحول بدلا من هذا إلى مجمع للفنون !! .. وقد ظل الأمر هكذا حتى صدر القرار الجمهوري عام 1986 بتحويل قصر الأميرة فاطمة الزهراء بمنطقة جليم بالأسكندرية إلى متحف لعرضها به عرف بمتحف المجوهرات الملكية .
.
ويقول عارف في كتابه أنه لجأ لشهود عيان على عمليات الجرد والمصادرة للوقوف على مصير المجوهرات ومن بينهم صلاح الشاهد الذى كان يعمل كبيرا للأمناء في عهدي عبدالناصر والسادات ( الذي كانت تربطه به علاقة صادقة قديمة ، وكان قبل الثورة موظفا كبيرا في قصر عابدين وعرف عنه حبه للملك فاروق وإحتفاظه بصورة كبيرة له في صالون بيته وعبدالناصر وزملائه كانوا يعلمون ذلك ) ، ويؤكد عارف على أن السادات هو الذي طلب منه الإتصال بصلاح الشاهد ، وقد ذكر على لسانه تكليف عبدالناصر له بأختيارعقد من مجوهرات أسرة محمد على المحفوظة في خزائن بنك مصر لتقديمه كهدية بأسم مصر للسيدة فتحية بمناسبة زواجها من الزعيم الغاني نكروما ، ( وقد تم إسترداده بعد الأنقلاب الذي أطاح بنكروما ) ، ويضيف عارف أن الشاهد نقل لعبدالناصر إنه شاهد المجوهرات محفوظة بشكل غير جيد من غير العلب التي كانت تحفظها ( لأن خزائن البنك لا تتسع للمجوهرات بعلبها فرأت لجنة الجرد الأحتفاظ بيها دونها ) ، فأمر عبدالناصر بإعادة الجرد ومطابقة ذلك بالسجلات المحفوظة بعد أن شك في الأمر كم أمر بحفظها بشكل أفضل .. وقد أكد الجرد عدم وجود أى فاقد منها .
.
وبالرغم من كل ما أورده من إتهامات فأنه يذكر : أن المجوهرات محفوظة في خزائن البنك المركزي وعددها بالتحديد كما هو مثبت في ملفات الجرد الرسمية ( 11247) قطعة ويوجد لكل واحدة منها ملف خاص في إدارة المتاحف بوزارة الثقافة على وصف فني كامل لها ، وأن عدد اللجان التي تم تشكيلها لإعادة الجرد من جديد بلغت أكثر من 19 لجنة ولم تثبت أيا منها شيئا مختلفا .
.
الغريب في الأمر أن عارف على الرغم من كثرة الشهود الذين أتي بهم إلا أنه لم يأت من خلالهم بجديد لأنهم وإن كانوا معاصرين للحدث وعلى قرب منه إلا أنهم لم يكونوا من الذين قاموا بعملية الجرد مع إنهم كانوا أمامه , خاصة البكباشي محمود الجوهرى الذي لعب دورا رئيسيا في عمل الجرد وتسجيلها بدقة ، بل إنه منع من الرد ما جاء في تلك الحملة التي قادها عارف في مجلة أكتوبر الأمر الذي دفعه إلى وضع كتب (سبع سنوات فى مجلس قيادة الثورة ) والذي نشرفي عام 1978 للرد عليه ، هذا الأمر يبين سوء النية وأن الهدف لم يكن البحث عن الحقيقة ولكن بهدف التشهير والإساءة إلى ثورة يوليو وقائدها في إطار الحملة الممنهجة التي دبرها نظام السادات .. هكذا كان هذا العصر الطعن في الذاكرة الوطنية للمصريين .
تعليقات
إرسال تعليق