المأساة .. حكاية حزينة من الماضى ..فيلق العمال المصرى .. خطف واقتياد اكثر من مليون مصرى للعمل سخرة بالحرب العالمية الاولى

 

المأساة 

 حكاية حزينة من الماضى ..فيلق العمال المصرى بالحرب العالمية الاولى 

 خطف واقتياد أكثر من مليون مصرى للعمل سخرة بمعسكرات الحرب العالمية الاولى

قصة أغنية سيد درويش .. ياعزيز عينى انا نفسى اروح بلدى

صوره ل530الف مصرى
اختطفوا من قراهم وارسلوا مقيدين بالحبال الي فرنسا وبلجيكا وإيطاليا ليشاركوا في الحرب العالميه الاولي ...!!!

موقع الارشيف العسكري الاسترالي.
صورة لأفراد من فيلق العمل المصري Egyptian labour corps، أي المصريين الذين تم سحبهم بالحبال من كافة أنحاء مصر، في الحرب العالمية الأولى للاستعانة بهم كقوة عمل رخيص في شق الطرق و حفر الخنادق و التحصينات و مد خطوط السكك الحديدية ، أثناء تبخير ملابسهم سنة ١٩١٧.
مصدر الصورة

 كتاب "فيلق العمل المصري" للمؤلف كايل أندرسون 

تحدث أندرسون عن الكتاب الجديد الذي ألّفه بدافع من الشغف بتاريخ الفلاحين المصريين مستغرقاً في إعداده أكثر من 7 سنوات.

 

يقول: "بدأت رحلتي مع هذا المشروع بزيارة الأرشيف البريطاني عام 2014، عندما كنت أعكف على إعداد أطروحة الدكتوراه". ورغم الانتهاء من رسالة الدكتوراه عام 2017، ظل المؤرخ الأميركي يعمل على قضية "فيلق العمل المصري"، حتى تكللت جهوده أخيراً بصدور الطبعة الإنكليزية من الكتاب، متطلعاً لصدور الترجمة العربية في نهاية عام 2022.

 

"عنصريّة الإنكليز"

قبل تناول تفاصيل كتاب "فيلق العمل المصري" وسياسة التجنيد الإجباري التي تعرض لها المصريون، يؤسس أندرسون للطريقة التي كان يرى بها الإنكليز المصريين، إذ يقول: "أنا أركّز على العلاقة بين "فيلق العمل المصري"، والعنصرية في ذلك الوقت، أعتقد أن الفيلق كان دليلاً الى رسم "خط اللون" في مصر". 

 

عربة قطار مخصصة لنقل المواشى وهى فى طريقها لمعسكرات التجميع على متنها فلاحين مصريين تم خطفهم قسراً من قراهم للخدمة فى فرقة العمال المصرية الحرب العالمية الاولى.



ومصطلح "خط اللون"، هو تعبير عالمي يشير إلى الفصل العنصري - بين السود والبيض - الذي كان موجوداً في الولايات المتحدة بعد إلغاء العبودية، ويقول أندرسون "إنّ هذا المفهوم مهم لأنه يفضح المنطق الثنائي للعنصرية الاستعمارية البريطانية في ذلك الوقت".

ويتابع: "في أواخر القرن التاسع عشر، كان المسؤولون الإمبراطوريون البريطانيون يرون العالم مكوناً من مجموعة متنوعة من الأعراق. وبحلول الحرب العالمية الأولى، كان المصريون يُعتبرون جزءاً من العرق "المحمدي" أو "العرق الإسلامي". ورغم أنّ البريطانيين كانوا ينظرون إلى المسلمين على أنهم "عرق خاضع"، فإنهم عاملوهم معاملة أفضل نسبياً عن غيرهم من "الأجناس الخاضعة" المزعومة، مثل الأفارقة السود، وشرق آسيا، وغيرهم.

 

ويضيف: "لكن عندما شنّت الإمبراطورية البريطانية حرباً ضد الخليفة العثماني، ولم يستجب المصريون لدعوة الخليفة للجهاد في نوفمبر 1914، تغيرت أفكار البريطانيين حول الصفات العرقية للمصريين، ليتم مساواتهم بالأفارقة السود، وغيرهم من الأعراق المضطهدة".

 

وبذلك، وفق الكاتب الأميركي، تكون الحرب العالمية الأولى قد وضعت المصريين في مرتبة عرقية متأخرة وفرضت على بلدهم الحماية، واستقدمت الآلاف من الجنود البيض الذي أساؤوا معاملة السكان، ثم أنشأت "فيلق العمل المصري" الذي جنّد عشرات آلاف العمال قسراً.

 

ويرى أندرسون أن من بين دوافع ثورة 1919 أنها جاءت كرد فعل على عنصرية الإنكليز في مصر على وجه الخصوص، فيقول: "وجدت عدداً من الأمثلة على القوميين المصريين الذين بدت عليهم الصدمة والفزع والرعب من أن المصريين قد تم مساواتهم بالأفارقة السود".  ويضيف: "بالنسبة للقوميين في ثورة 1919، أصبح الفلاحون رموز الأصالة القومية والهوية، بطرق خلقت هوية عرقية مميزة للمصريين".


جنود إنجليز يحرسون مواطنين مصريين مخطوفين من مدنهم وقراهم للعمل قسريا فى فرق العمال التى تخدم المجهود الحربي للحلفاء.

الفيلق المصري

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، بدأ الإنكليز في تدشين ما عُرف باسم "فيلق العمال المصري"، الذي انقسم إلى قسمين، هما: فيلق العمال للقيام بالأعمال اليدوية وراء القوات الإنكليزية، وفيلق الجمال لنقل المهمات وغيرها من نهاية السكك الحديدية إلى الخطوط الأمامية، إذ كان التعاقد في البداية اختيارياً حتى حلّ عام 1917، وصار التجنيد إجبارياً.

 

ولم يحتفظ الإنكليز بإحصاءات دقيقة حول عدد العمال، كون العديد منهم أعادوا التسجيل في عقود متعددة قصيرة الأجل، وهو الأمر الذي قد يضخّم الأعداد، لكن المؤرخ الأميركي يُرجح أن العدد كان كبيراً بالفعل، وقد لا يقل عن نصف مليون عامل خدموا في "فيلق العمل المصري" و"فيلق الجمال"، في وقت كان عدد سكان مصر 12 مليوناً فقط، لذا كان عدد العمال يمثل نسبة كبيرة من السكان.

 

وحول السخرة وإجبار العمال على الانضمام إلى فيلق العمل المصري، يشير  أندرسون إلى أحد المصادر التي تصف الأمر، فيقول: "كان ثلثهم من المتطوعين الذين أتوا من أجل كسب المال، والثلث من المساجين أو المجنّدين بالجيش، الذين أُرسلوا إلى فيلق العمل، باعتباره البديل من عقوبة السجن أو مدة التجنيد، أمّا الثلث الأخير فكان عبارة عن أشخاص أُجبروا على الالتحاق بفيلق العمل المصري".

 

ورغم أن أندرسون لم يتأكد تماماً من دقة هذه النسب، إلا أنه يعتقد أن هذا التوصيف يعد جيداً لفهم طبيعة التوظيف في فيلق العمل المصري، فقد كان ثمة عمال تطوعوا بالفعل، وآخرون أُجبِروا على العمل.

 

 مواقع العمل

بحسب أندرسون، ساهم العمال المصريون في الحرب العالمية الأولى في مناطق عدة: في فرنسا وإيطاليا وجاليبولي (تركيا حالياً)، إذ عملوا أساساً على تحميل السفن لنقل الإمدادات إلى الجبهة، كما عمل بعضهم أيضاً في حفر خنادق شبه جزيرة جاليبولي.

 

وفي البصرة بالعراق، عمل المصريون أيضاً في رصيف الميناء، ولكن عندما احتل البريطانيون بغداد، أُحضر حوالي 1000 رجل  وتدريبهم كضباط شرطة للاحتلال، لكن كان الطلب الأكبر على العمال المصريين في حملة سيناء / فلسطين، حيث كان المصريون مسؤولين عن بناء خطوط السكك الحديدية ومد أنابيب المياه، وهي الجهود التي مهدت الطريق أمام القوات الإنكليزية للسفر عبر صحراء سيناء.

 

ويصف كايل أندرسون الأوضاع التي عاناها العمال: "كان العامل يتقاضى 5 قروش في اليوم، بينما يحصل سائقو الجمال على 6 قروش يومياً، وكان هذا الأجر أكثر مما يتوقعه العامل المهاجر في ذلك الوقت، لكن الظروف التي عملوا فيها كانت صعبة للغاية، إذ كانوا ينامون في مخيمات مكشوفة، ويتناولون طعاماً وشراباً رديئين". 

 

ويضيف المؤرخ الأميركي: "تعرض العمال لمخاطر العمل في ظروف صعبة في سيناء، إذ كان عليهم العمل في الصحراء. وفي شمال فرنسا تعاملوا مع الطقس البارد، وفي فلسطين كانت هناك عواصف غزيرة المطر، بقيت لأوقاتٍ طويلة، وعانى الكثيرون من انخفاض حرارة الجسم جراء استمرار الرطوبة والبرودة، وأصيب آخرون بنيران المدفعية. في النهاية مات عشرات الآلاف بسبب هذه الظروف، وهو ما دفع العمال للتمرد".









  

المقاومة والتمّرد

لم يقف المصريون مكتوفين أمام التجنيد الإجباري، أو التعرض لظروف قاسية أثناء العمل، فقد شهدت مواقع العمل احتجاجات عديدة، يقول أندرسون: "كان العمال يُضربون عن العمل، بل شنوا تمردات ضد ضباطهم، حدث أولها في شبه جزيرة جاليبولي عام 1915. وبحلول عام 1917، احتج المصريون في فرنسا وإيطاليا بشدة، لدرجة أن البريطانيين قرروا في النهاية نقل معظمهم إلى حملة فلسطين بحلول العام التالي".  

 

أمّا في القرى، فقد استخدم الفلاحون أساليب مختلفة للمقاومة، ويشير مؤلف الكتاب إلى أن من بين تلك الأساليب "التقدم بالتماسات للإعفاء من التجنيد، والتي لم يقبل منها سوى 12 بالمئة. وإلى جانب الالتماسات لجأ المصريون إلى المقاومة العنيفة أيضاً، ففي صيف 2018 اندلعت أعمال الشغب في جميع أنحاء الريف المصري، إذ استخدم الفلاحون الأسلحة النارية، والضرب بالسكاكين والفؤوس، واستخدام العصي والحجارة أيضاً". وبحسب المؤرخ الأميركي، أسهمت مقاومة التجنيد الإجباري في إشعال ثورة 1919.

 

وفي الأخير، يرى كايل أندرسون أن "الأوروبيين لم يفعلوا الكثير لإحياء ذكرى المصريين الذين خدموا في الحرب العالمية الأولى"، لكنه يلفت إلى أن "هذا الأمر قد بدأ يتغير مع تزايد اهتمام الناس بهم".

 

ويقول مختتماً حديثه لـ"النهار العربي": "آمل أن نتمكن من الاستمرار في الحديث عن الموارد البشرية والحيوانية والزراعية والمالية التي أخذتها الإمبراطورية البريطانية من مصر أثناء الحرب، للمطالبة بتعويضات تدفعها الحكومة البريطانية لنظيرتها المصرية ولعائلات الأشخاص الذين خدموا في فيلق العمل المصري".












ذات يوم.. 21 أكتوبر 1917.. اقتياد مليون ونصف مليون من العمال والفلاحين المصريين بالسخرة للتطوع فى خدمة الجيش الإنجليزى أثناء الحرب العالمية الأولى

حمل القطار جماعة من المتطوعين المحروسين بالجند شاهرى أسلحتهم، قاصدا القنطرة، فما أن ابتعد عن الزقازيق كيلومترات حتى ألقى واحد منه بنفسه أثناء السير، تخلصًا من التطوع الذى لم يكن بالطبع بناء على رغبته فمات فى ساعته.

هذا المواطن المسكين، يذكر قصته أحمد شفيق باشا فى «حولياته السياسية»، ولم تكن حالته فردية، فى تعبيرها عن الإقدام على الموت للتخلص من السخرة التى تعرض لها وغيره، عند تطبيق القرار السلطانى يوم 20 أكتوبر 1917 بتشجيع التطوع لخدمة الجيش البريطانى فى الحرب العالمية الأولى.. «راجع، ذات يوم، 20 أكتوبر 2020».

تنقل الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها «مصر فى الحرب العالمية الأولى»، وعبدالرحمن الرافعى فى كتابه «ثورة 1919» صورا قاسية لمعاناة الفلاحين والعمال فى القرى من القرار الذى بدأت المديريات تنفيذه من «21 أكتوبر، مثل هذا اليوم، 1917».

تذكر «سالم» تعليق سعد زغلول فى مذكراته على تلك المأساة..قال: «افتخر رجال الحكومة بأنهم عارضوا فى التجنيد الإجبارى حتى منعوه، ولكن الحكام فى سائر أنحاء القطر أخذوا من بضعة أيام يتخطفون الناس من الأسواق ومن الطرقات ومن المساكن فى القرى ويحملونهم على أن يكتبوا طلبا بالتطوع فى الحملة، ومن يأبى من المخطوفين أن يختم، ضُرب حتى يختم، وفى بعض المراكز أقيم صانع أختام على باب المركز ليصنع ختما لكل من ليس له ختم وقد أبى الرجال فى أطسا، بمديرية المنيا، فجاءتهم قوة من العساكر والخفر وساقتهم إلى المركز مكبلين بالحديد، وهنا ضربوا حتى ختموا، وحدث أن بعض الأهالى فى جهة فارسكور «دمياط» رفضوا السير مع العساكر، وحدثت مشاجرة أدت إلى إطلاق النيران عليهم فقتل ثلاثة، والسلطة تستعين فى جمع الناس بكل طريقة من طرق الجبر بالإكراه، وهذا فضلا عن كونه أشد أنواع مصادرة الأمة فى حريتها، فإنه احتقار لها بإنزالها منزلة الأنعام السائرة».

تناثرت شهادات لإنجليز عاصروا هذا الحدث، وتستعين «سالم» بها.. تذكر شهادة «الجود» وكان أميرالايا فى الجيش الإنجليزى..يقول: «كان كل مدير مديرية مطالبا بأن يقدم من مديريته عددا معينا من الأنفار، وفشله فى ذلك كان يجر عليه لوما قاسيا من رؤسائه، أما كيف كان المديرون يحضرون الأنفار، فقد كان ذلك متروكا لتصرفات الموظفين فى كل مديرية وهؤلاء كانوا يفهمون بالإشارة، فشيوخ القرى اختاروا الضحايا الذين كانوا يرونهم مناسبين دون تدخل من أحد، لقد حانت لهم الفرصة لتصفية ثأرهم المبيت ضد أعدائهم، وأصبحت مصر الزراعية تمزقها الحزازات، فوشت العائلات ببعضها البعض الآخر وتسمم الجو بالفساد، وكان الفلاحون الذين لا يستطيعون دفع المال من أجل إعفائهم أول من كانوا يؤخذون غالبا ثم يعقبهم الأعداء الشخصيون لحكام القرية، وكان أهل الريف الذين يرتادون الأسواق يخطفون عنوة ثم يرحلون إلى أقرب معسكر عمل، وإذا كان أغلبهم يستسلمون للمصير فإن البعض منهم كان يقاتل من أجل حريته ويولى الأدبار».

كان الكاتب والمفكر سلامة موسى «ولد 1887 وتوفى يوم 4 أغسطس 1958» ممن عاصروا هذه المأساة، ويذكر فى شهادته: «فى تلك السنوات السود أثرى كثير من العمد ثراء فاحشا، فقد فرضوا ضرائب على جميع الشباب من سن العشرين إلى الخمسين على مقدار ما يملكون، فهذا يؤدى خمسة جنيهات وذاك عشرة جنيهات حتى يعفيهم من الاعتقال وبعثهم إلى فلسطين، وعرفت عمدة كان يملك ستة أفدنة فقط جمع نحو خمسة آلاف جنيه بهذه الطرق، وكان الفلاحون يجوعون كى يجمعوا هذه الغرامات ويؤدوها».

وعاصرها أيضا المؤرخ عبدالرحمن الرافعى «ولد يوم 8 فبراير 1889، وتوفى يوم 3 ديسمبر 1966».. يذكر فى كتابه «ثورة 1919»: «أخذت السلطات العسكرية منذ بداية الحرب العالمية الأولى تجمع ما تستطيع من الفلاحين والعمال بطريق الإكراه، وكان ظاهر الدعوة جمع هؤلاء العمال بطريق الاختيار والتطوع، ولذلك سموا «متطوعين»، ولكن الحقيقة أنهم كانوا مكرهين يؤخذون بطريق التجنيد، ووضعت الحكومة المصرية سلطتها وموظفيها رهن أوامر السلطة العسكرية البريطانية، فكان الحكام الإداريون من المديرين إلى عمد البلاد وخفرائها يقومون بعملية جمع الرجال قسرا وتجنيدهم، واغتنم كثيرا من العمد هذه الفرصة لسوق خصومهم إلى هذا التجنيد الذى كان بمثابة النفى والاستهداف للأخطار، وكان كثير منهم أيضا يتخذون الدعوة إلى هذا التطوع وسيلة للرشوة يبتزونها من الأهلين لإعفائهم من هذا التجنيد».

ويؤكد الرافعى: «بلغ عدد العمال والفلاحين والهجانة الذين أخذوا من مصر بهذه الطريقة حتى نهاية الحرب نحو مليون ونصف مليون عامل، مات كثير منهم، وكانوا عونا كبيرا لإنجلترا فى إدراكها النصر». 

وثائق كتاب "الحرب العالمية الأولي" للدكتور أشرف صبرى





تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بناء مصر ..جمهورية يوليو الثائرة (الجمهورية الأولى) .. تأسيس النهضة الصناعية من الابرة للصاروخ

خيانات حرب يونيو 1967

المخصيين بالتاريخ المصرى "حكاية حزينة من الماضي"