محمد على باشا والتجارب الصحية على السجناء المصريين

 محمد على باشا 

والتجارب الصحية على السجناء المصريين 

اعداد محمد شوقى السيد 

من كتاب كل رجال الباشا للدكتور خالد فهمى

صــ207 و208 و209   

وتشمل حالات الإرسال الى الليمان بالإضافة الى الحالات المذكورة سابقا السارقين وقطاع الطرق والفلاحين الذين يجرءون على أقتلاع القطن من الحقول التى يحوزونها ويزرعون الذرة بدلا منه والمشاركين فى تزييف العملة والتجار الذين يبيعون سم الفئران(الذى تم حظره لأن المجندين يستخدمونه فى إلحاق العمى بأنفسهم بهدف تجنب التجنيد) والجنود الذين يشوهون أجسامهم لتجنب الخدمة العسكرية والشركاء فى جرائم القتل العمد 

وعلى ذلك اصبح ليمان الإسكندرية دار اعتقال سجناهائلا يأوى اناسا مختلفين نُفوا من مواطنهم المحلية المألوفة وفى أحد الأوقات كانت الترسانة تحتوى على ما بين خمسة وستة آلاف شخص 

وكان معظم المسجونين هناك قد اعتُقلوا بسبب بعض الجرائم التى ارتكبوها وتم الإبقاء عليهم هناك بناء على رغبة صريحة من جانب الباشا : ذلك أن الإفراج عن المحتجزين لم يكن يتطلب أكثر من أن يصدر محمد على عفوا بصرف النظر عن الجريمة التى ارتُكبت أو الخطر الذى يفُترض  أنهم يمثلونه على المجتمع وفوق ذلك كانت ظروف سجنهم أبعد ما تكون عن الظروف الصحية بحيث اقتضى الأمر ذات يوم القيام بتحقيق لتحديد سبب وفاة أعداد كبيرة من السجناء . هذا بالإضافة الى أن المعتقلين فى الليمان لم يكونوا يتمتعون بسيطرة تذكر على أجسامهم وكان بمقدور السلطات أن تستخدمهم لأى غرض تراه مناسبا . ففى عام 1843 أصدر الباشا الأمر التالى الى وكيل شورى المعاونة كان نصه(*): 

"إنه لحضور أشخاص أخيرا من طرف حكومة الروسيا لأجل إجراء بعض تجارب لمعرفة درجة سريان علة الوباء ولتمكن من تخصيص حدود لها وذلك موقوف على إلباس بعض الأشخاص السليمى البنية ملابس الذين أصيبوا بالداء بعد تطهيرها فى حرارة الشمس على درجة 60 ومن المؤكد عدم إمكان وجود من يرضى بتلك التجارب من الخارج فقد استحسن عمل التجربة فى المتهمين الموجودين باللومان فينبغى لدى حضور كلوت بك لطرفه إعطاؤه بعض أشخاص لعمل هذة التجربة المفيدة لعموم البشر " 


وأصبح ليمان الإسكندرية يمثل بشكل جلى سياسة الاعتقال التى تتبعها السلطات المدنية لقد كان الليمان سجنا يعتقل أناسا من كل الأنواع التى اعتبرتها السلطات "خارجة على القانون" ويرجع هذا الاعتقال غير التمييزى للكائنات "المغتربة"جزئيا الى أن الكثيرين ممن أعتُقلوا لم يكونوا قد اعتُقلوا بسبب خرقهم لأى قانون ولكن لأن العاهل محمد على قد قرر ذلك بعدم عرضت عليه حالاتهم غير أن السبب الأهم هو ان القانون الأعم الذى كان بمثابة قانون العقوبات الأصلى وهو قانون الفلاحة لم يكن هو ذاته نصا قانونيا تمييزيا ولا متدرجا ولك يكن يشكل منظومة قانونية متماسكة فاستبقى الكثير من الخصائص التى تميز القوانين المدنية القديمة . إن الاستخدام المتكرر للكرباج والفلقة بالإضافة الى نوع السجن الذى شُرح سابقا إنما يشير الى أن الهدف الرئيسى لمثل هذا القانون وملاحقه كان جعل "حضور" الباشا مرئيا وذلك على وجة الدقة عن طريق تسليط الضوء على "غياب" هؤلاء الذين جرءوا على انتهاك رغبته كما يمثلها القانون وفى هذة الحالة كان الليمان مثله مثل جبل فيزاوغلى  مكانا للنف والإبعاد وليس مكانا للإصلاح وإعادة التأهيل فالقوانين المدنية كما يمثلها هذا القانون لم تكن تهدف الى إقامة  رابطة وثيقة فى اذهان العامة بين الجريمة والعقاب بقدر ما كانت تهدف الى دفع الناس للخضوع عن طريق إرهابهم بتكوين صورة للسجن تحوم كالشبح فوق المجتمع لتذكًر الجميع بمصير من ينتهك القانون لقد بلغت قوة تأثير فكرة السجن على العقلية المصرية حدا جعل كلمة " ليمان" التى تعنى فى التركية مجرد ميناء أو مرفأ مرادفا لكلمة " السجن"  وما زالت تحمل نفس المعنى فى اللغة العربية المصرية الى وقتنا هذا                         

(*) خطاب مؤرخ فى 10 صفر 1259/12 مارس 1843 أمين سامى تقويم النيل الجزء الثانى ص 525 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بناء مصر ..جمهورية يوليو الثائرة (الجمهورية الأولى) .. تأسيس النهضة الصناعية من الابرة للصاروخ

المخصيين بالتاريخ المصرى "حكاية حزينة من الماضي"

خيانات حرب يونيو 1967