أهم اسباب الصراع بين عبد الناصر ومحمد نجيب د. مراد وهبة
أهم اسباب الصراع بين عبد الناصر ومحمد نجيب د. مراد وهبةقيل فى سبب الخلاف بين جمال عبد الناصر ومحمد نجيب فيما عُرف بأزمة مارس 1954 إنه مردود إلى أن الأول لم يحبذ الديمقراطية والثانى لديه التزام بالديمقراطية. وقيل فى تبرير ذلك السبب إنه فى ذلك الحين تشكلت الجبهة المتحدة التى كانت تضم الوفديين والشيوعيين وعناصر من الجيش من أجل إعادة الحياة الديمقراطية المتمثلة فى شخصية محمد نجيب.
وقيل أيضاً فى سبب الخلاف بين جمال عبد الناصر ومحمد نجيب إنه مردود إلى الصراع حول السلطة على نحو ما كان يرى خالد محيى الدين الذى كان فى حينها ضابط مخابرات سلاح الفرسان. إلا أنه كان منحازاً إلى محمد نجيب بدعوى أن لديه كاريزما جماهيرية ومنحازاً إلى الديمقراطية.
وحسماً لهذا الصراع صدرت قرارات 25 مارس عن مجلس قيادة الثورة بناء على اقتراح من عبد الناصر بعد اجتماعه مع ضباط سلاح الفرسان وكانت على النحو الآتي: حل مجلس قيادة الثورة وعودة أعضاء هذا المجلس إلى وحداتهم العسكرية. عودة محمد نجيب إلى رئاسة الجمهورية تشكيل خالد محيى الدين حكومة انتقالية لمدة ستة شهور. انتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستور دائم.
وفى الحال ثار ضباط الأسلحة الأخرى ضد سلاح الفرسان فألغيت تلك القرارات فى 29 مارس. وفى 18 ابريل أعلن مجلس قيادة الثورة إعادة تشكيل الحكومة بدون محمد نجيب وبرئاسة جمال عبد الناصر مع احتفاظه برئاسة مجلس قيادة الثورة. وفى 26 أكتوبر من ذلك العام أيضا أطلق ارهابى من التنظيم السرى لجماعة الاخوان ثمانى رصاصات على جمال عبد الناصر أثناء احتفال شعبى فى الإسكندرية الأمر الذى أدى إلى اعتقال عدة آلاف من أعضاء الجماعة.
والسؤال اذن: ما مغزى هذا الحادث الإرهابى الاخواني؟ مغزاه يكمن فى أن الصراع الخفى كان قائماً بين عبد الناصر والاخوان. وفى هذا السياق يلزم تفسير ما حدث من اعتداء على عبدالرزاق السنهورى رئيس مجلس الدولة فى 29 مارس فى أثناء وجوده بالمجلس لمنعه من إصدار بيان من قبل الجمعية العمومية ينحاز فيه إلى الديمقراطية وليس إلى مجلس الثورة.
والسؤال إذن: هل هذا الانحياز هو السبب فى الاعتداء عليه؟ أستعين فى الجواب عن هذا السؤال بلقاء مريب تم بين السنهورى وعبد الحكيم عابدين.
والسؤال إذن: لماذا يلتقى عبد الحكيم عابدين بالسنهورى بصفته رئيساً لمجلس الدولة؟ مغزى هذا السؤال يكمن فى أن ثمة مهمة تنتظر السنهورى للقيام بها، وأن هذه المهمة تتجاوز مجلس الدولة إلى مستقبل الجماعة ومستقبلها يكمن فى شهوتها لإحياء الخلافة الإسلامية.
والجدير بالتنويه هنا أن رسالة السنهورى التى نال بها درجة الدكتوراه من جامعة باريس فى عام 1952 كان عنوانها: الخلافة الإسلامية وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية. وواضح من العنوان انحياز السنهورى إلى الخلافة الإسلامية إذ إن فى رأيه أن الإسلام إمامة وخلافة. الامامة هى الرئاسة الدينية والخلافة هى الرئاسة السياسية وتحقيقهما معاً أمر ملازم. وبالرغم من إلغاء الخلافة فى الدولة العثمانية بقرار من كمال أتاتورك رئيس تركيا الحديثة إلا أن هذه الخلافة، فى رأى السنهوري، قد عادت فى إطار الجامعة العربية. ومعنى ذلك أنه لا فرق بين جامعة الدول العربية وجامعة الدول الإسلامية.
إحياء الخلافة الإسلامية اذن هو السبب الخفى فى أزمة مارس 1954. ولكن لم يكن فى الامكان الإفصاح عن ذلك السبب لأنه قد يفضى إلى صراع دموي. وكان البديل عنه محاولة اغتيال عبدالناصر الفاشلة، ولهذا كان البديل عنها ما حدث فى عام 2012 عندما استولت جماعة الاخوان على الحكم. وقبل ذلك بعشرين عاماً، أى عام 1992 أصدر الدكتور عمرو عبد السميع كتاباً عنوانه: «الإسلاميون.. حوارات حول المستقبل»، أجرى فيه من بين ما أجرى من محاورات حواراً مع نائب المرشد العام مصطفى مشهور جاء فيه عبارة تنبؤية هى على النحو الآتي: نحن قادمون بعد خمسة عشر عاماً، أى قادمون فى عام 2007، وقد حدث ذلك بالضبط فى غزة عندما استولت حماس وهى فرع أصيل من فروع الاخوان على السلطة فى غزة.
وبعد ذلك بخمس سنوات، أى فى عام 2012 استولى الأصل على السلطة فى مصر. والمغزى فى هذا التنبؤ يكمن فى أن مشهور كان على علم بمدى تغلغل فكر الإخوان فى مؤسسات الدولة وفى عقل المجتمع ومن بينه عقل النخبة.
والسؤال اذن: هل النخبة كانت على وعى بأنها مخترقة من عقل الإخوان أم أنها لم تكن على وعي؟ جواب هذا السؤال متروك للنخبة وليس متروكاً لغيرها، وجوابها أمر لازم إذ من شأنه أن يسهم فى الكشف عن الأسلوب اللازم لاجتثاث عقل الإخوان لكى نصنع طريقاً مغايراً جذرياً لذلك العقل.
والمذهل هنا أن صناعة هذا الطريق تأتى بعد ستة وستين عاماً من أزمة مارس 54. وهو أمر يدعو أيضاً إلى التساؤل فى سبب ترك الأخوان بلا مقاومة.
تعليقات
إرسال تعليق